" لا يمكن أن يتحمل الإنسان حياةً تافهة للأبد, يومًا ما سيكون له رد فعل
و ها أنا أراه أمامي عندما أفكر في مرضاي أرى أنهم جميعًا يبحون عن وجودهم ,
و التأكيد على ذلك الوجود مخافة الضياع في العدمية أو التفاهة ,
لا يمكن أن يتحمل الإنسان عيش حياةٍ تافهة"
"كارل يونغ"
لم تم الإلقاء بنا في هذا العالم؟
ما الذي نقعله في حياتنا؟
أيعقل أن نكون قد وجدنا في هذا العالم دون سبب محدد؟
و أن الحياة على الأرض مجرد حياة جميلة -حتى الآن - نتيجة صدفة بلا هدف؟
في زمن انحسار الأديان , واجهت البشرية احتمالية أن يكون وجودها غير ذي معنى
و هذا ما يعتبره الكثيرين أمرًا مروعًا
من الصعب تقبّل فكرة أن حياتنا ليست مهمة
نسعى جاهدين لإعطاء حياتنا أي مغزى ولو دنيوي , فنلجأ لخلق هدفنا الخاص
و هكذا , نحاول في حدود قدراتنا البشرية تعريف معنى أن نحيا حياة ذات مغزى
ما الذي يستحق العيش لأجله , وما الذي لايستحق؟
ما هي المتطلبات؟
بمجرد أن نقرر ماهية الحياة ذات المغزى , نستمر في التمسّك بها بشكلٍ مرضي
لأننا لو فشلنا في إعطاء مغزىً لحياتنا , ستكون حياتنا حقًا غير مهمة
و لذلك , يشعر الكثير من الناس أن حياتهم بلا قيمة
يستيقظون , يأكلون , ينخرطون في نشاطاتهم التافهة , يأكلون ثم ينامون , وهكذا
بعكس القليل من سعداء الحظ الذين نجحوا في إيجاد مغزىً لحياتهم ,
ولو كان هدفهم من الحياة تربية أطفالهم , أو وظيفتهم المهمة -كما يعتقدون-
أو أيٍ من النشاطات الأخرى التى تجعل من وجودهم على هذه النقطة البائسة المحاطة بذلك الظلام الدامس ,
محتملة نوعًا ما
هذا الفيديو يستعرض محاسن و مساوئ عيش حياة بلا مغزى
"عندما تكون الحياة بلا مغزى"
منذ فجر التاريخ , يحاول البشر إيجاد مغزىً للحياة
و على الرغم من وجود الكثير من الآراء حول هذا الموضوع , إلا أنه لا يوجد دليل واضح ,
عن ماهية مغزى الحياة أو وجوده من عدمه
يمدنا الدين بالإجابات
المسيحية على سبيل المثال , تنص على أن مغزى الحياة هو البحث عن الخلاص الإلهي
برحمة الله , و اعتناق القيم الأخلاقية المحددة التي فرضها الله علينا
الفيلسوف الفرنسي -الجزائري ألبير كامو , نظر إلى الدين باعتباره محاولة لحل معضلة انعدام مغزى الحياة
باعتناق مجموعة من الإجابات الجاهزة , و التي تنسب لله
لكننا بفعلنا هذا نهرب من مواجهة الحقيقة , حيث نقوم بإخفاء المشكلة الوجوديّة باعتناقنا لمرويات تفتقر لوجود أدلّة
في عصرنا الحالي و خصوصًا في الغرب , نلحظ أن الدين في انحسار
يومًا بعد يوم يزداد عدد من يعتبرون أنفسهم لا أدريين أو ملحدين
و فقدوا إيمانهم بالله و بكتابه المقدس
وهذا ما قد يعتبره فيلسوف مثل كامو , أمرًا محمودًا حيث أن الناس بهذا سيكونون قد تخلصوا من التزمت
لم يعودوا يسمحون لجحيم المجهول أن يعميهم
و هاهم الآن قد صاروا أحرارًا ليستمتعوا بحياتهم كيفما أرادوا
تحيل أن وجودنا بالفعل بلا هدف , و أن تلك الحياة الأرضية محض صدفة
و أن البشرية مجرّد مزحة كونيّة
بلا أي مغزي ما ورائي
ماذا نفعل إذُا ؟
هناك عدد لا نهائي من الخيارات
يمكننا السفر و التجوال و الاستمتاع بالطبيعة , أو التسكع مع بعض الأصدقاء
في العصر الحالي , منحتنا التكنولوجيا إمكانية الوصول لأي مكان في العالم
يمكننا بسهولة أن تعلم لغة أخرى على الإنترنت
أو نتحدّث مع أناس آخرين من دول أخرى , و لدينا كذلك العديد من وسائل التسلية
هناك أيضًا العديد من الهوايات , و الأمور التي يمكننا تعلمها
و أشياء نكتب عنها أو نصنع فيدوهات حولها
في كون بلا هدف , يمكننا أن نفعل أي شيء نريد
لكن هناك جانبُ سلبي لهذا الأمر
رفض الدين يستتبعه استنتاج أن الحياة ليس لها هدف
يؤدي لعدم القدرة على التعايش مع مثل هذا الاستنتاج
فكيف يمكن ونحن نشعر بمثل هذا الإحباط أن نستمتع بهذا القدر من الحريّة ؟
دعونا أولًا نرى ما هو المعنى أصلًا
كتاب " العلاج النفسي الوجودي" الذي ألفه Irvin Yalom
يميز ما بين المعنى الكوني و المعنى الدنيوي
المعنى الكوني يهتم بمعنى الحياة و الكون
و الذي ليس له وجود وفقًا لكامو
و عليه , فإن محاولة إيجاده تعتبر منافية للعقل
في حين أن الهدف الدنيوي يهتم بالعلاقة بيننا و بين العالم حولنا
ما يعني اخنصارًا أنه معنى حياتنا
و بغياب المعنى الكوني , يتم التركيز على المعنى الذي نضفيه على حياتنا بأنفسنا
و من هنا , لجأ البشر لتصنيف الأشياء وفقًا للمعنى الذي تمثله من عدمه
و تلك الظاهرة تتسبب في وجود مشكلة لأننا بهذا نكون قد فارقنا ما بين الأشياء ذات المعنى وما سواها
و بالتالي نعرض أنفسنا لمخاطرة الفشل في عيش حياة ذات مغزى
و لو حدث ذلك , سنشعر أن حياتنا بلا هدف و قد نفكّر في إنهائها
أحد أشهر الأمور التي يلجأ إليها الناس لإضفاء معنى لحياتهم , تكوين عائلة و تربية الأطفال
لكن في وقتنا الحالي و خصوصًا في الحضارة الغربية و في اليابان , يعد ذلك الأمر تحدٍ كبير
العلاقات و دور الأسرة , تبدّل حالهم الآن
ارتفعت معدلات الطلاق بشكلٍ غير مسبوق ,
معدلات الزواج في انخفاضٍ مستمر , و ساهمت تطبيقات المواعدة في تغيير طريقتنا في البحث عن شريك حياتنا
عدد السكان في اليابان في تناقص
و في الوقت الحالي في الولايات المتحدة , هناك أكثر من نصف الشباب أعزب
و ثلث الأسر الأوروبية تضم شباب أعزب بدون أطفال
و في السويد , يزيد العدد عن النصف
العائلة التي كانت سابقًا من الأمور المقدسة , فقدت الآن أهميتها
و هكذا , نلاحظ العديد من الناس يعانون من غياب العائلة كمعنى للحياة
و أحزنهم ذلك جدًا , فالشيء الذي كان يبدو على أنه جزء أصيل من الحياة , أصبح الآن حلمًا ممزقًا
قد يتسائل أحدهم ," ما معنى حياتي بدون أطفال؟"
لكن هناك أفكار حديثة عن معنى الحياة يمكنها أن تحل محل الأفكار التي يفشل المرء في تحقيقها
في عالم يبحث فيه الجميع عن هدف يسعى لأجله , من المجدي أن يلجأ المرء لعمل ما يعرف بالعمل ذو المعنى
أن يصبح جزءًا من شيء مميز , الفشل في نيل أي مما سبق قد يعرض المرء لليأس
حيث يواجه ما أسماه كارل يونغ " الذوبان الكامل في العدمية أو إنعدام المعنى"
نبحث يائسين في عالم فوضوي عن سبب نحيا لأجله
عالم تلاشت فيه الأمور التي كانت دائمًا ما تعتبر دافع للحياة بما فيها الدين
تلك الفكرة الملحة التي لا ترى دافعًا للحياة دون معنى محدد
سواء كان ذلك المعنى متمثل في تكوينك لأسرة بدلًا من أن تبقى دون أطفال
أو تلتحق بوظيفة مهمة بدلًا من وظيفة تافهة
أو الانخراط في أنشطة هادفة بدلًا من مشاهدة Netflix و لعب ألعاب الفيديو
و إلّا صارت حياتك بائسة
كما في حالة الدين , حيث نسمح للآخرين أن يفرضوا علينا أفكارهم و يملون علينا أفعالنا و يخبروننا كيف نعيش
فقط لأننا نؤمن أننا لا يمكننا العيش دون هدف
كما قال ألبير كامو في الاقتباس التالي
" أؤمن أن العالم ليس له هدف سام , لكنني أؤمن أن هناك شيئًا ما في هذا العالم له معنى ,
و هذا المعنى هو الإنسان , فهو المخلوق الوحيد الذي يصر على أن له هدفٌ و معنى "
نهاية الاقتباس
عندما تفتقد الحياة لوجود معنى , الأمر الذي قد يكون أساسيًا من وجهة نظرٍ كونية بالمعلومات التي لدينا ,
فكيف إذًا سيتسنى لنا اعتبار ما لا نراه ذو قيمة هدفٌ أسمى؟
المميز في المعيشة في كونٍ ليس له هدف هو أن كل مسميات المعنى ستكون وهم محض
و بالتالي , فإن البحث عن هدفٍ أسمى سيكون بلا طائل
و بما أننا قد حددنا سلفًا ما له معنى و ما ليس له معنى ,
فإن المعنى لا يمكننا إيجاده سوى في مخيلتنا
إنها تجربة بشرية
تأخذ مجراها في عقولنا
عندما نفتقد لوجود معنىً في الحياة , فذلك لا يعني أن ثمة مشكلة في الحياة نفسها
بل يكمن الخطأ في طريقة تحديدنا للمعنى من المقام الأول
تصبح الشجرة مميزة لو تعتبرناها نحن مميزة
و تتحول الحجارة إلى صنم لو أننا نظرنا إليها بهذه الطريقة
و هكذا , قد تصبح أبسط الأشياء لها أسمى المعاني لو قررنا نحن أن تصبح كذلك
بدلًا من أن نسعى لاهثين من أجل هدفٍ أسمى ,
من الأفضل أن نتخلى عن مفهومنا المسبق عن المعنى و الهدف الأسمى
و من ثم , نحدد نحن لأنفسنا هدف أسمى
أو يمكننا أن نمضي أبعد من ذلك و نحاول أن نجد معنى في الأمور البسيطة من الحياة
مثل التجول في الغابة , أو مشاهدة كلب يلعب بعصى
أو التحادث مع الجيران
في نهاية المطاف , الحاجة للعيش من أجل هدف سامٍ مميز مجرد وهم آخر من خلق عقولنا ,
من أجل أن نحصن أنفسنا من تصديق الاحتمالية المخيفة المعقولة ,
أن حياتنا ليس لها مغزى , ولا حيلة بيدنا لتغيير ذلك
شكرًا للمشاهدة "قناة الوحيد"